يشير تحليل صادر عن تشاتآم هآوس إلى أن المواجهة الحالية بين إيران وإسرائيل تعيد تشكيل توازنات القوة في الشرق الأوسط، وتكشف أن إيران تواجه لحظة ضعف غير مسبوقة.

لعدة سنوات، ساد افتراض بين المحللين بوجود توازن هش للرعب بين الطرفين، يردع التصعيد المباشر. امتلكت إسرائيل تفوقًا عسكريًا تقليديًا، بينما اعتمدت إيران على أدوات غير تقليدية، مثل الصواريخ والطائرات المسيّرة وشبكة من الجماعات المسلحة في المنطقة. وحافظ هذا التوازن على صراع منخفض الشدة، مكّن إيران من استخدام قوتها غير المتماثلة، وحال دون استغلال إسرائيل لتفوقها العسكري.

غير أن هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 وما تلاه من موجات عنف، قلب هذا التصور رأسًا على عقب. ضعف "محور المقاومة" بشكل حاد، وتقلّصت قدرة حماس وحزب الله على ضرب إسرائيل. انهار نظام الأسد في سوريا – الحليف الحكومي الوحيد لإيران – في ديسمبر 2024، مما حرم طهران من قاعدة إقليمية أساسية. وحدهم الحوثيون في اليمن احتفظوا بمكانة معتبرة، رغم محدوديتهم الجغرافية والتقنية.

كشفت مواجهتان مباشرتان بين إيران وإسرائيل في أبريل وأكتوبر 2024 حجم الخلل. نفّذت إسرائيل ضربات موجعة على مواقع صاروخية ونووية ومنشآت دفاع جوي داخل إيران، بينما أخفقت طهران في إلحاق أضرار مؤثرة بإسرائيل، رغم إطلاقها مئات المسيّرات والصواريخ. في كلتا المرتين، بادرت إيران إلى التهدئة، مدفوعةً بضعفها لا برغبة حقيقية في السلام.

في الجولة الأخيرة من التصعيد، عمّقت إسرائيل ضرباتها ضد البنية التحتية النووية والعسكرية الإيرانية، بل مست منشآت للطاقة. في المقابل، فشلت إيران في تجاوز تأثير محدود. بعد تحقيق تفوق جوي جزئي، أصبحت القوات الجوية الإسرائيلية تضرب أهدافًا إيرانية داخل العمق، بلا قدرة على الردع أو الاعتراض.

تضيق خيارات إيران يومًا بعد يوم. القيادة في طهران تخشى أن يُفسَّر طلب وقف إطلاق النار كعلامة ضعف، سواء أمام الخصوم أو أمام الرأي العام الداخلي. لكن في الوقت نفسه، تدرك أن سلّم التصعيد يضع إسرائيل في موقع متفوق.

عادةً، تلجأ إيران إلى تحريك حلفائها غير الحكوميين للرد بالنيابة عنها. غير أن حماس أصبحت شبه مشلولة، وحزب الله يعاني من الإنهاك ويركز على الداخل اللبناني، حتى الحوثيين، رغم بروزهم، يواجهون قيودًا في الوصول إلى إسرائيل، بينما تبقى قدراتهم العسكرية بدائية مقارنة بالدفاعات الإسرائيلية المتطورة.

في الداخل، تراجعت قدرة إيران على الرد المباشر، مع تناقص مخزونها الصاروخي. التفكير في استهداف قواعد أميركية في الخليج قد يبدو خيارًا مطروحًا، لكن تنفيذه سيجرّ تدخلًا عسكريًا أميركيًا مباشرًا، ربما يستهدف منشآت نووية عميقة مثل فوردو. ورغم أن واشنطن قد تختار الضرب لاحقًا، تسعى طهران لتجنّب إعطائها الذريعة.

خيار إغلاق مضيق هرمز يُعد ورقة ضغط قوية، إذ يمر عبره نحو 20% من النفط العالمي. لكنه يحمل عواقب خطيرة. قد يستفز الولايات المتحدة، ويغضب دول الخليج – التي لم تمنح إسرائيل دعمًا كاملًا – ويضع إيران في صدام مع الصين، المستورد الأكبر لنفط الخليج. فضلًا عن أن إغلاق المضيق سيضر صادرات إيران نفسها، ويزيد أزمتها الاقتصادية تعقيدًا. لذلك، يبقى هذا الخيار ملاذًا أخيرًا.

الهجمات السيبرانية تبدو خيارًا آخر، خاصة أن إيران طوّرت قدرات كبيرة في هذا المجال، وقادرة نظريًا على استهداف بنى تحتية حساسة مثل المياه والطاقة. لكن هذا المسار محفوف بالمخاطر؛ إذ يصعب نفي المسؤولية، وقد يقود إلى ردود فعل مادية أو إلكترونية قاسية، تفوق في آثارها المكاسب المحتملة.

في الخلاصة، تقف إيران أمام واقع جيوسياسي صعب، بعد فقدانها الكثير من أدوات الردع والمناورة. الصراع يكشف مدى هشاشة موقعها الحالي، بينما توسّع إسرائيل نطاق عملياتها، مدعومة بشراكة استراتيجية مع واشنطن، وصمت غالب من العواصم الكبرى.

https://www.chathamhouse.org/2025/06/iran-israel-conflict-iran-has-run-out-good-options